قناة الأولى -
أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم السبت، أن العراق نجا من الحرب لكنه ما يزال يواجه مخاطر اشتعالها، فيما أشار إلى أن بغداد أكدت لطهران أن ملف الفصائل شأن داخلي.
وقال حسين في مقابلة صحفية تابعتها"الاولى" أن"العراق نجا من الحرب، لكنه ما يزال يواجه مخاطر اشتعالها والعالم ينظر إلينا الآن بشكل مختلف، لكن العراقيين لديهم مشكلاتهم مع الفصائل المسلحة، ولن يحلها أحد غيرهم".
وردد الوزير عبارة "كيف نحمي بغداد من النار؟"، متذكراً كل ليلة مرّت على بلاده عام 2024"، متسائلا: "كيف وصلنا إلى هذه اللحظة. تأخرت كثيراً بتكلفة دموية هائلة".
ودون أن يخفي التفاؤل، يعود إلى ما وصفها بـ"النبوءة العراقية" المطروحة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023: "كل حرب ستلد حرباً أخرى، وثمة مزيد".
وعن الاتفاق مع بريطانيا، يقول حسين، إنه"اتفاقا تاريخيا، لكن ليس تحسباً لمجيء ترمب"، مبينا أنها"تعكس التاريخ الطويل للعلاقة بين البلدين".
وأضاف، أنه"بدلاً من الاتفاقات الجماعية مع دول التحالف الدولي لمحاربة (داعش)، طرحنا التوصل إلى تفاهمات أمنية منفصلة مع الكثير من الدول وبدأنا مباحثات مع فرنسا وألمانيا، والآن مع بريطانيا، للوصول إلى تفاهمات حول كيفية التعامل في المجال الأمني".
ويقول الوزير حسين: "ليست الغاية ترتيب الأمور قبل وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض، كل ما يُطرح يتعلّق بالسياسة العراقية والوضع العراقي والعلاقات الثنائية بين العراق ودول مؤثرة".
وعن قيادة العراق لمجموعة الصين +77 في الأمم المتحدة، أوضح: "نحن نتحدث عن قيادة العراق لمجموعة دول في إطار الأمم المتحدة، وهي التكتل الأكبر الذي يمثّل الجنوب العالمي، هذه القيادة تفتح المجال لعلاقات دبلوماسية متميزة مع دول الشمال من أجل تعزيز السلم والأمن في العالم وهذا يعزّز موقع العراق إقليمياً ودولياً ويقوي علاقاته، بما في ذلك مع الولايات المتحدة الأميركية".
ولفت إلى، أن"رئاسة هذا التكتل ستكون مهمة للعراق في «اليوم التالي للحرب، إذ تعكس كيف بات العالم يقيّم بغداد".
وعن عودة ترامب، اقترح الوزير حسين مرة أخرى "تفهّم مصير الجغرافيا وأقدار السياسة"، لافتا إلى أن"الرئيس الأميركي دونالد ترمب اختيار الشعب الأميركي في عملية ديمقراطية، ونحن نحترمه وأما السياسة الأميركية تجاه إيران، في ظل التوتر بين الطرفين، فإنها تؤثر في عموم المنطقة، والعراق في قلب هذا التأثير، بالنظر إلى أنه جار لإيران وله علاقات تاريخية وجغرافية وثقافية واقتصادية معها، وما يملكه من علاقات قوية مع الأميركيين في الماضي والحاضر، الذين ساعدونا هم أيضاً على محاربة الإرهاب وفق اتفاقات واضحة".
يأمل الوزير حسين في، أن"تكون العلاقات بين الطرفين حوارية للوصول إلى حلول معينة". لكنه يتخوّف من استمرار التوترات، مع أنه يشعر بالارتياح؛ لأن النقاشات السياسية في المجتمع العراقي بدأت تخوض في مسألة التوازن بين أطراف النزاع، وما يتطلبه هذا القيام بخطوات عديدة، ومثل هذا النقاش لم يكن سهلاً في الماضي.
وتابع: "عملنا على حملة إعلامية مكثّفة لإقناع الداخل بأننا في خطر. إذا لم تستطع إقناع الداخل، فلن تستطيع إقناع الخارج. تمكنّا من إيصال الرسالة، رغم أنها لم تكن سهلة وفي البداية لم يكن هناك فهم كافٍ من البعض حول هذه المسائل، لكننا نجحنا في تنبيه الجميع إلى أن العراق في خطر ويجب أن يبتعد عن الحرب".
وقال الوزير، إنه"رغم حساسية هذا الملف؛ لكن «العراقيين باتوا يبحثون علناً فيه ويفكرون في طرقهم الخاصة لمعالجة المجموعات المسلحة خارج سيطرة الدولة، مدفوعين بما تريده المرجعية الدينية في النجف التي أعلنت ضرورة حصر السلاح".
واستطرد قائلا: "هل نبني دولة أو نستمر في حروب ساحات معينة؟ الدولة لا يمكن أن تكون مزيجاً بين الدولة وأي شيء آخر يقوضها، إذن، نحن نحتاج إلى تفاهمات داخلية، أساسها أن أي طرف آخر لا يمكنه أن يفرض حالة العنف أو الحرب. هذا غير ممكن. لقد ناقشنا هذا الأمر حتى قبل هذه الأحداث وبدأنا هذه الحالة ونحتاج إلى فترة معينة لكي نصل إلى نتائج. من الواضح أننا ملزمون بآليات معينة وهناك أطروحات مختلفة، مثلاً أن تكون الفصائل جزءاً من الحشد الشعبي الذي يعدّ جزءاً قانونياً من القوات المسلحة، هناك أيضاً أطروحة أخرى تقضي بتسليم الفصائل سلاحها للحشد، وأن تتحول إلى جهات سياسية فقط وهناك أفكار كثيرة، لكن في النهاية يجب أن نصل إلى تفاهمات داخلية ونبتعد عن خلق حالة قد تؤدي إلى قتال داخلي. فهذا غير مقبول".
وعن التهديدات التي تلقها العراق، أوضح: نعم، التهديد موجود حتى الآن، ولا أتحدث عن نسبة مرتفعة أو منخفضة، التهديد هو التهديد، لكنني أتحدث عن نقاشات داخلية لا علاقة لها بالضغط الخارجي، بل بالحاجة العراقية للوصول إلى نتائج".
وأكمل: "كنت مع رئيس الوزراء في طهران (يوم 8 يناير)، قلنا إن الكثير من الدول تطرح آراءها على العراق حول أوضاعه الداخلية، لكن قضايانا تبقى شأن العراقيين وحدهم، وهذا ينطبق على الجميع (...) من الواضح أن مواقف إيرانية منشورة في الإعلام عن بعض المسائل تخالف رؤيتنا، لكن في النتيجة، القرار النهائي يجب أن يكون عراقياً".
ويستند فؤاد حسين في فرضية "القرار العراقي الخالص" إلى نجاة بغداد من نيران الحرب ويقول، إن"الحكومة مرت بأيام صعبة جداً، نتيجة ظروف داخلية، وأخرى محيطة، لكنها نجحت والتوتر لا يزال قائماً رغم اتفاق وقف إطلاق النار".
وأضاف، أن"2024 كنت صعبة جداً علينا، لأن التعامل كان يتم مع مراكز قوى ودول، ليست لدينا علاقات متينة معها والعراق الآن في منطقة لا تزال النار مشتعلة فيها وما يزال السؤال: كيف تحمي نفسك من هذه النار؟ الجهد الذي بذلناه العام الماضي سوف يتضاعف في الفترة المقبلة، لكي نحافظ على العراق في حالة من الاستقرار بعيداً عن الحروب والصراعات".
وعن التطورات في سوريا، أكد، أنه"ليس هناك أكثر من العراقيين يمكنهم فهم إرادة الشعب السوري ويدركون تماماً معنى الديكتاتورية، وحزب (البعث) الذي ناضلوا ضده عقوداً".
يصف الوزير لحظة سقوط بشار الأسد بأنها"نتيجة طبيعية لعدة عوامل؛ منها انهيار النظام والجيش، ومنها أيضاً شعب سوري ذاق مر الطغيان والظلم والعزلة عن العالم وعندما حدث التغيير في سوريا، كان هذا بسبب نضال وعمل مشترك بين مكونات الشعب السوري والأحزاب السياسية المختلفة، بعضها ليبرالي، وبعضها ديني، وبعضها قومي. التغيير حدث أيضاً بسبب تدخل عوامل خارجية. لو لم يكن هناك تدخل خارجي، مثلما حدث في العراق، لما كان التغيير ممكناً، والآن يجب توقع نتيجة لهذا النضال المشترك من أجل الحرية وحماية حقوق الإنسان والمرأة والأقليات وهذا كان جزءاً من مطالب الكثير من الأحزاب السياسية".
وعن تحفظ العراق على مجريات الأحداث في سوريا، يقول حسين: "تنتظر كيف ستبدأ العملية السياسية في سوريا والآن، هناك إدارة في دمشق تتحدث بشكل إيجابي، وبطريقة تشير إلى نيات جيدة، لكن للوصول إلى استقرار النظام، نحتاج إلى أدوات وسوريا الآن مدمَّرة، وإعادة البناء تحتاج إلى عمل مشترك ودعم العالم الخارجي. ودون دعم عالمي لا يمكن إعادة بناء سوريا وهناك حديث عن مؤتمر وطني قريب في سوريا يجب أن يكون بداية لحل فعلي، لكن من يختار أعضاء هذا المؤتمر؟ ما الجهة التي تشرف على المؤتمر؟ وما النقاط التي تُطرح في أجندة المؤتمر؟ وما غاية المؤتمر؟ هل النقاش أو العمل للوصول إلى توافقات بين مختلف الجهات وممثلي المكونات السورية؟ كل هذه الأسئلة نطرحها، وطرحناها على وزراء الخارجية العرب في اجتماع الرياض، ونتمنى أن نحصل على إجابات".
ويرفض الوزير العراقي مقولة إن"العراقيين غير معنيين بالوضع في سوريا»؛ لأنه عندما انهار الجيش السوري حصل تنظيم (داعش) على مواقع جديدة، وازداد عدد عناصره بعدما حصلوا على أسلحة جديدة، كما أن بعض القيادات كانت قد عادت من الخارج لتنضم مجدداً إلى صفوف التنظيم، فكيف لا نكون في حالة قلق، وهؤلاء قريبون من حدودنا، واليوم ستشكّل احتمالية عودة الإرهاب خطراً على دول الجوار السوري؛ العراق والأردن ولبنان أيضاً".
وبين: "نحن نفهم الوضع السوري. لكن لدينا تجربة في التغيير. فإذا كان هناك نقاش مع الجانب السوري، فنحن ننطلق من أسس تختلف عن نقاش الدول الأخرى مع الجانب السوري. وكل ما نريده هو الخير للشعب السوري. نريد الاستقرار. استقرار سوريا يعني استقرار العراق أيضاً".
ولفت إلى، أن"بغداد على تواصل مع دمشق، حين كنت في اجتماع الرياض كان هناك حديث إيجابي بحضور وزير الخارجية السوري (أسعد الشيباني)، في إطار نقاش معمق مع وزراء الخارجية العرب".
ويتحدث الوزير حسين عن "حوار كردي - كردي داخل سوريا أولاً، وحوار كردي مع قيادات إقليم كردستان التي يهمها الوضع المستقبلي للمكون الكردي، كما أن ربع مليون لاجئ سوري يقيمون في كردستان منذ عام عام 2019 ويشكلون واقعاً مؤثراً في المجتمع ولا يمكن أن يكون هناك استقرار في دمشق في حين يغيب عن حلب أو الشواطئ أو باقي المناطق في شرق البحر المتوسط أو جنوب سوريا. الآن يجب خلق حالة تفاعلية بين الداخل العراقي والداخل السوري".
يلخص الوزير العراقي «الوظائف السياسية المركبة» لبلد مثل العراق، فيما يتعلق بمخاطر الحرب: "ما من وظيفة أكثر تعقيداً من تحقيق التوازن بين الوضع الداخلي والتحولات المحيطة، لدينا علاقات مع أميركا والغرب وروسيا والخليج وإيران. هذا واقع العراق (...) وتناقضات الجميع وصراعاتهم تتطلّب أفعالاً سياسية دقيقة لحماية التوازن".